قبل أن نحتفل
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد :
هل يجوز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
الجواب : لا يجوز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من البدع المحدثة في دين الله عز وجل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة المشهود لهم بالخيرية قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) أخرجه البخاري ومسلم من رواية عمران بن حصين وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما وهم أعلم الناس بالسُنة وأكمل حباً للرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن هم بعدهم .
والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج منا إلى أمرين لابد منهما :
الأمر الأول :
ثبوت اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإن علماء السير والتاريخ قد اختلفوا وتنازعوا في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سبعة أقوال وقد رجّح كثير من المؤرخين أن مولده صلى الله عليه وسلم كان في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول ولم يكن في الثاني عشر منه إذاً لم يثبت من الناحية التاريخية أن مولده الشريف كان في الثاني عشر من شهر ربيع الأول فاحتفالهم فيه خطأ من الناحية التاريخية .
الأمر الثاني :
إذا ثبت مولده صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول فهل يجوز لنا أن نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ؟؟
الجواب : كلا ..
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل به ولا صحابته ولم يأمر به فلو كان الاحتفال بمولده مشروعاً لاحتفل به صلى الله عليه وسلم أو أمر به ورغّب فيه كما أمر ورغب في الصلاة عليه .
أو احتفل به الصحابة رضوان الله عليهم .
وإنما حصل الاحتفال المولد بعد القرن الرابع الهجري أحدثه الفاطميون الشيعة قال الإمام أبو حفص تاج الدين : (أما بعد فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصلٌ في الدين ؟؟ فأقول : لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سُنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اغتنى بها الآكلون) انتهى كلامه .
واحداث مثل هذه الموالد يُفهم منه أن الله سبحانه لم يُكمل الدين لهذه الأمة وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله زُلفى وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
فإن الله قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة قال تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى بلّغ جميع الدين قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (من حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد أعظم على الله الفرية ولو كان كاتماً لكتم قول الله : "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه") كما في صحيح البخاري ومسلم وقد خاطبه الله عز وجل بقوله : (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك) فلم يترك صلى الله عليه وسلم طريقاً يوصل للجنة إلا وبيّنهُ ولا طريقاً يولج إلى النار إلا وبينه كما جاء في الحديث الصحيح : عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدُل أمته على خير ما يعلمه لهم ويُنذرهم شر ما يعلمه لهم) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
ثم إننا نقول ما الداعي للإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أهو حب النبي صلى الله عليه وسلم والتعظيم أم مضاهاة للنصارى ؟؟
فإن كان الداعي هو الأول أو الثاني ونعني المحبة أو التعظيم فوالله الذي لا إله غيره لسنا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم .
وإن كان الداعي هو الثالث وهو مضاهاة النصارى إذ هم يحتفلون بميلاد المسيح عليه السلام فقد نهينا أن نتشبه بهم وأُمرنا بمخالفتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ومن تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه الإمام أحمد وصححه البزار والألباني .
فمنتهى البيان وزبدة الكلام أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز وإنه من البدع المحدثة في دين الله وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحذر من البدع أيما تحذير وكان يحذر منها في خُطبه فعن جابر رضي الله عنه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحكم ومساكم ثم يقول أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله تعالى وأحسن الهُدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة) أخرجه الإمام مسلم في الصحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وهي رواية للإمام النسائي . والحديث بطوله أخرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي في سننهما وصححه العلامة البزار والإمام ابن عبدالبر في جامع العلوم والحكم وصححه محدث الديار الشامية محمد ناصر الدين الألباني في صحيح سنن الترمذي وصحيح سنن أبي داود وهو أيضاً مصحح في سلسلة الأحاديث الصحيحة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه البخاري ومسلم من رواية أم المؤمنين أم عبدالله عائشة رضي الله عنها .
ولقد سار على هذا سلفنا الصالح .
وقال الفضل بن عياض رحمه الله : (ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بُعداً) .
هذا وصلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين ..
أخوكم ومحبكممحمد جمال العامودى